فصل: تفسير الآيات (4- 7):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).



.تفسير الآيات (4- 7):

{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5) وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ (6) وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (7)}
قوله: {والذين يرمون} أي يقذفون بالزنا {المحصنات} يعني المسلمات الحرائر العفائف {ثم لم يأتوا بأربعة شهداء} أي يشهدون على الزنا {فاجلدوهم ثمانين جلدة} بيان حكم الآية أن من قذف محصناً أو محصنة بالزنا فقال له: يا زاني أو يا زانية أو زنيت فيجب عليه جلد ثمانين إن كان القاذف حراً وإن كان عبد اً يجلد أربعين وإن كان المقذوف غير محصن فعلى القاذف التعزير. وشرائط الإحصان خمسة الإسلام والعقل والبلوغ والحرية والعفة من الزنا حتى لو زنا في عمره مرة واحدة ثم تاب وحسنت توبته بعد ذلك ثم قذفه قاذف فلا حد عليه فإن أقر المقذوف على نفسه بالزنا أو أقام القاذف أربعة يشهدون عليه بالزنا سقط الحد عن القاذف لأن الحد إنما وجب عليه لأجل الفرية. وقد ثبت صدقه وأما الكنايات مثل أن يقول يا فاسق أو يا فاجر أو يا خبيث أو يا مؤاجر أو قال امرأتي لا ترديد لامس فهذا ونحوه لا يكون قذفاً إلا أن يريد ذلك. وأما التعريض مثل أن يقول أما أنا فما زنيت أو ليست امرأتي زانية فليس بقذف عند الشافعي وأبي حنيفة. وقال مالك يجب فيه الحد وقال أحمد هو قذف في حال الغضب دون حال الرضا. قوله تعالى: {ولا تقبلوا لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون} فيه دليل على أنّ القذف من الكبائر لأن اسم الفاسق لا يقع إلا على صاحب كبيرة {إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم} اختلف العلماء في قبول شهادة القاذف بعد التوبة وفي حكم هذا الاستثناء فذهب قوم إلى أنّ القاذف ترد شهادته بنفس القذف وإذا تاب وندم على ما قال وحسنت حالته بعد التوبة قبلت شهادته سواء تاب بعد إقامة الحد عليه أو قبله لقوله تعالى: {إلا الذين تابوا} وقالوا هذا الاستثناء يرجع إلى رد الشهادة وإلى الفسق وإذا تاب تقبل شهادته ويزول عنه اسم الفسق. يروى ذلك عن عمر وابن عباس وهو قول سعيد بن جبير ومجاهد وعطاء وطاوس وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار والشعبي وعكرمة وعمر بن عبد العزيز والزهري وبه قال مالك والشافعي. وذهب قوم إلى أنّ شهادة المحدود في القذف لا تقبل أبداً وإن تاب وقالوا الاستثناء يرجع إلى قوله: {وأولئك هم الفاسقون} وهو قول النخعي وشريح وأصحاب الرأي قالوا بنفس القذف لا ترد شهادته ما لم يحد قال الشافعي هو قبل أن يحد شر منه حين يحد لأن الحدود كفارات فكيف تردونها في أحسن حاليه وتقبلونها في شر حاليه. وذهب الشافعي إلى أنّ حد القذف يسقط بالتوبة. وقال: الاستثناء يرجع إلى الكل وعامة العلماء على أنه لا يسقط الحد بالتوبة إلا أن يعفو عنه المقذوف فيسقط كالقصاص يسقط بالعفو ولا يسقط بالتوبة.
فإن قلت إذا قبلت شهادته بعد التوبة فما معنى قوله أبداً ما دام مصرًّا على القذف لأنه أبد كل إنسان مدته على ما يليق به كما يقال شهادة الكافر لا تقبل أبداً يراد بذلك ما دام على كفره فإذا أسلم قبلت شهادته. قوله عز وجل: {والذين يرمون} أي يقذفون {أزواجهم ولم يكن لهم شهداء} أي يشهدون على صحة ما قالوا {إلا أنفسهم} أي غير أنفسهم {فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين} سبب نزول هذه الآية ما روي عن سهل بن الساعدي أن عويمر العجلاني جاء إلى عاصم بن عدي فقال لعاصم: أرأيت لو أن رجلاً وجد مع امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل سل لي عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة وعابها حتى كبر على عاصم ما سمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رجع عاصم إلى أهله جاءه عويمر فقال يا عاصم ماذا قال لك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال عاصم لعويمر لم تأتني بخير قد كره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسألة التي سألت عنها فقال عويمر: والله لا أنتهي حتى أسأله عنها فجاء عويمر ورسول الله صلى الله عليه وسلم وسط الناس فقال: يا رسول الله أرأيت رجلاً وجد مع امرأته رجلاً أيقتله فتقتلونه أم كيف يفعل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك قرآناً فاذهب فأت بها قال سهل: فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغا من تلاعنهما قال عويمر: كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها فطلقها ثلاثاً قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم قال مالك قال ابن شهاب فكانت تلك سنة المتلاعنين» أخرجاه في الصحيحين زاد في رواية ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «انظروا إن جاءت به أسحم أدعج العينين عظيم الأليتين خدلج الساقين فلا أحسب عويمراً إلا وقد صدق عليها، وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة فلا أحسب عويمراً إلا قد كذب عليها» فجاءت به على النعت الذي نعت رسول الله صلى الله عليه وسلم من تصديق عويمر فكان بعد ينسب إلى أمه قوله أسحم أي أسود الأدعج الشديد سواج العين مع سعتها وقوله خدلج الساقين أي ممتلئ الساقين غليظهما وقوله، كأنه وحرة بفتح الحاء دويبة كالعظاءة تلصق بالأرض وأراد بها في الحديث المبالغة في قصره.
(خ) عن ابن عباس: «أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبيّ صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: البينة أو حد في ظهرك فقال يا رسول الله إذا رأى أحد على امرأته رجلاً ينطلق يلتمس البينة فجعل النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: البينة والحد في ظهرك فقال هلال بن أمية: والذي بعثك بالحق إني لصادق ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد فنزل جبريل عليه السلام وأنزل عليه {والذين يرمون أزواجهم} فقرأ حتى بلغ إن كان من الصادقين فانصرف النبيّ صلى الله عليه وسلم فأرسل إليهما. فجاء فقام هلال بن أمية فشهدوا النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله يعلم إن أحدكما كاذب فهل منكما تائب ثم قامت فشهدت فلما كانت عند الخامسة وقفها وقال: إنها موجبة قال ابن عباس: فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع ثم قالت لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: انظروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الأليتين خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء فجاءت به كذلك فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن» وفي رواية غير البخاري عن ابن عباس قال: لما نزلت {والذين يرمون المحصنات} الآية قال سعد بن عبادة لو أتيت لكاع وقد تفخذها رجل لم يكن لي أن أهيجه حتى آتى بأربعة شهداء فوالله ما كنت لآتي بأربعة شهداء حتى يفرغ حاجته ويذهب وإن قلت ما رأيت إن في ظهري لثمانين جلدة. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الأنصار ألا تسمعون ما يقول سيدكم» قالوا لا تلمه فإنه رجل غيور ما تزوج امرأة قط إلا بكراً ولا طلق امرأة له واجترأ رجل منا أن يتزوجها. فقال سعد يا رسول الله بأبي أنت وأمي والله إني لا أعرف أنها من الله وأنها حق ولكن عجبت من ذلك لما أخبر الله فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «فإنّ الله يأبى إلاّ ذلك» فقال صدق الله ورسوله قال فلم يلبثوا إلا يسيرا حتى جاء ابن عم له يقال له هلال بن أمية من حديقة له فرأى رجلاً مع امرأته يزني بها فأمسك حتى أصبح فلما أصبح غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جالس مع أصحابه فقال يا رسول الله إني جئت إلى أهلي عشاءً فوجدت مع امرأتي رجلاً رأيت بعيني وسمعت بأذني فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أتاه به وثقل عليه حتى عرف ذلك في وجهه فقال هلال: والله يا رسول الله إني لأرى الكراهة في وجهك مما أتيتك به والله يعلم إني لصادق. ما قلت إلا حقاً وإني لأرجو أن يجعل الله لي فرجاً فهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بضربه قال: واجتمعت الأنصار فقالوا: ابتلينا بما قال سعد بجلد هلال وتبطل شهادته فبينما هم كذلك ورسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يأمر بضربه إذ نزل عليه الوحي فأمسك أصحابه عن كلامه حين عرفوا أن الوحي قد نزل حتى فرغ فأنزل الله: {والذين يرمون أزواجهم} إلى آخر الآيات فقال رسول الله صل الله عليه وسلم «أبشر يا هلال فإنّ الله تعالى قد جعل لك فرجاً» فقال: كنت أرجو ذلك من الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرسلوا إليها فجاءت فلما اجتمعا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قيل فكذبت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ الله يعلم أنّ أحدكما كاذب فهل منكما تائب» فقال يا رسول الله قد صدقت وما قلت إلاّ حقاً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاعنوا بينهما فقيل لهلال فشهد أربع شهادات الله إنه لمن الصادقين فقال له عند الخامسة: «يا هلال اتق الله فإنّ عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة وإن عذاب الله أشد من عذاب الناس وإن هذه الخامسة هي الموجبة التي توجب عليك العذاب» فقال هلال والله لا يعذبني الله عليها كما لم يحدني عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فشهد {والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين} ثم قال للمرأة أشهدي فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين فقال لها عند الخامسة ووقفها: «اتقى الله إن الخامسة موجبة وإن عذاب الله أشد من عذاب الناس» فتلكأت ساعة وهمت بالاعتراف ثم قالت: والله لا أفضح قومي فشهدت الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما. وقضى أن الولد لها ولا يدعى لأب ولا يرمى ولدها ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن جاءت به كذا وكذا فهو لزوجها وإن جاءت به كذا وكذا فهو للذي قيل فيه» فجاءت به غلاماً كأنه جمل أورق على الشبه المكروه وكان أميراً بمصر لا يدرى من أبوه الأورق هو الأبيض وروى ابن عباس: أن عويمراً لما لاعن زوجته خولة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نودي الصلاة جامعة فصلّى العصر ثم قال لعويمر: قم فقام فقال: أشهد بالله إن خولة لزانية وإني لمن الصادقين ثم قال في الثانية أشهد بالله إني رأيت شريكاً على بطنها وإني لمن الصادقين. ثم قال في الثالثة أشهد بالله إنها لحبلى من غيري وإني لمن الصادقين. ثم قال في الرابعة أشهد بالله إني ما قربتها منذ أربع أشهر وإني لمن الصادقين ثم قال في الخامسة لعنة الله على عويمر يعني نفسه إن كان من الكاذبين فيما قال ثم أمره بالقعود فقعد. ثم قال لخولة قومي فقامت فقالت: أشهد بالله ما أنا بزانية وإن عويمراً لمن الكاذبين ثم قالت في الثانية: أشهد بالله إنه مارأى شريكاً على بطني وإنه لمن الكاذبين. ثم قالت في الثالثة أشهد بالله إنى حبلى منه وأنه لمن الكاذبين ثم قالت في الرابعة: أشهد بالله إنه ما رآني قط على فاحشة وإنه لمن الكاذبين ثم قالت في الخامسة: غضب الله على خولة تعني نفسها إن كان من الصادقين ففرق رسول الله صلى لله عليه سلم بينهما وقال: «لولا هذه الأيمان لكان في أمرهما رأي ثم قال: تحينوا الولادة فإن جاءت به أصيهب أثيبج يضرب إلى السواد فهو لشريك بن سحماء وإن جاءت به أورق جعداً جمالياً خدلج الساقين فهو لغير الذي رميت به» قال ابن عباس: فجاءت بأشبه خلق بشريك.
بيان حكم الآية:
إن الرجل إذا قذف امرأته فموجبه موجب قذف الأجنبية وجوب الحد عليه إن كانت محصنة أو التعزير إن كانت غير محصنة غير أن المخرج منهما مختلف، فإذا قذف أجنبياً أو أجنبية يقام عليه الحد إلا أن يأتي بأربعة يشهدو بالزنا أو يقر المقذوف بالزنا فيسقط عنه الحد. وفي الزوجة إذا وجد أحد هذين أو لاعن سقط عنه الحد فاللعان في قذف الزوجة بمنزلة البينة لأنه الرجل إذا رأى مع امرأته رجلاً بما لا يمكنه إقامة البينة ولا يمكنه الصبر على العار، فجعل الله اللعان حجة له على صدقه فقال تعالى: {فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين} وإذا أقام الزوجة بينة على زناها أو اعترفت هي بالزنا سقط عنه الحد واللعان إلا أن كان هناك ولد يريد نفيه فله أن يلاعن لنفيه وإذا أراد الإمام أن يلاعن بينهما بدأ بالرجل فيقيمه ويلقنه كلمات اللعان فيقول: قل أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به زوجتي فلانة من الزنا وإن كان قد رماها برجل بعينه سماه في اللعان ويقول كما يلقنه الإمام. وإن كان ولد أو حمل يريد نفيه يقول وإن هذا الولد أو هذا الحمل لمن الزنا ما هو مني. ويقول في الخامسة علي لعنة الله إن كنت من الكاذبين فيما رميت به فلانة وإذا أتى بكلمة من كلمات اللعان من غير تلقين الإمام لا تحسب فإذا فرغ الرجل من اللعان وقعت الفرقة بينه وبين الزوجة وحرمت عليه على التأبيد وانتفى عنه النسب وسقط عنه الحد ووجب على المرأة حد الزنا، فهذه خمسة أحكام تتعلق بلعان الزوج.

.تفسير الآيات (8- 9):

{وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ (8) وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ (9)}
قوله عزّ وجلّ: {ويدرأ} أي يدفع {عنها العذاب} أي الحد {أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين} حكم الآية أن الزوج إذا لاعن وجب على المرأة حد الزنا فإن أرادت إسقاطه عن نفسها فإنها تلاعن فتقوم وتشهد بعد تلقين الحاكم أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماني به وتقول في الخامسة علي غضب الله إن كان زوجي من الصادقين فيما رماني به ولا يتعلق بلعانها إلا هذا الحكم الواحد وهو إسقاط الحد عنها. ولو أقام الزوج بينة لم يسقط الحد عنها باللعان. وعند أصحاب الرأي لا حد على من قذف زوجته بل موجبة اللعان فإن لم يلاعن حبس حتى يلاعن فإذا لاعن الزوج وامتنعت المرأة من اللعان حبست حتى تلاعن. وعند الآخرين اللعان حجة صدقه والقاذف إذا قعد عن إقامة البينة على صدقه لا يحبس بل يحد كقاذف الأجنبي إذا قعد عن إقامة البينة. وعن أبي حنيفة موجب اللعان وقوع الفرقة ونفي النسب وهما لا يحصلان إلا بلعان الزوجين جميعاً وقضاء القاضي وفرقة اللعان فرقة فسخ عند الأكثرين وبه قال الشافعي وتلك الفرقة متأبدة حتى لو أكذب الزوج نفسه يقبل ذلك فيما عليه لا فيما له فيلزمه الحج ويلحقه الولد لكن لا يرتفع تأبيد التحريم. وعند أبي حنيفة فرقة اللعان فرقة طلاق فإذا أكذب نفسه جاز له أن ينكحها وإذا أتى ببعض كلمات اللعان لا يتعلق به الحكم وعند أبي حنيفة إذا أتى بأكثر كلمات اللعان قام مقام الكل وكل من صح يمينه صح لعانه حراً كان أو عبد اً مسلماً كان أو ذمياً. وهو قول سعيد بن المسيب وسليمان بن يسار والحسن وبه قال ربيعة ومالك والثوري والشافعي وأكثر أهل العلم. وقال الزهري والأوزاعي وأصحاب الرأي لا يجري اللعان إلا بين مسلمين حرين غير محدودين فإن كان أحد الزوجين رقيقاً أو ذمياً أو محدوداً في قذف فلا لعان بينهما وظاهر القرآن حجة لمن قال: يجري اللعان بينهما لأن الله تعالى قال والذين يرمون أزواجهم ولم يفصل بين الحر والعبد والمحدود وغيره ولا يصح اللعان إلا عند الحاكم أو نائبه ويغلظ اللعان بأربعة أشياء بتعدد الألفاظ وبالمكان والزمان وأن يكون بمحضر جماعة من الناس، أما تعدد الألفاظ فيجب ولا يجوز الإخلال بشيء منها، وأما المكان فهو أن يلاعن في أشرف الأماكن فإن كان بمكة فبين الركن والمقام وإن كان بالمدينة فعند منبر النبيّ صلى الله عليه وسلم وفي سائر البلاد في الجامع عند المنبر، وأما الزمان فهو أن يكون بعد العصر، وأما الجمع فأقله أربعة والتغليظ بالجمع مستحب فلو لاعن الحاكم بينهما وحده جاز وفي التغليظ بالزمان والمكان قولان.